خالد بادو
ما لم يسمعه العديد من المتتبعين، وخصوصا منهم الصحفيين، هو الجزء الثاني من مداخلة مزوار خلال المجلس الوطني لحزب التجمع الوطني للأحرار، والتي كانت حوالي الساعة الثامنة مساء، بعد أن كانت المقالات الأولى قد نزلت في المواقع الإخبارية، وكانت أغلب أعداد يوم الاثنين قد أقفلت وتم بعثها للطباعة.
فماذا قال مزوار؟ أولا، كونه لم يستهدف رئيس الحكومة في شخصه، لأن هذا الأخير لم يصدر منه أي كلام أو اتهام بالخيانة للتجمع. ثانيا، أن حالة “الغضب” التي عبر عنها هي وليدة الظروف التي تلت انتخابات 4 شتنبر، إذ أن حزبه اختار ألا يرد على ما اتُهم به في حينه، لعل الطرف الآخر يبادر بالاعتذار وسحب ما بدر منه. ثالثا، أن التزامه داخل الأغلبية لازال قائما، وسيقوم الحزب بتقييمه في الوقت والظرف المناسبين.
كل هذا لا ينفي أن الانتقاد الذي وجهه مزوار للحزب الذي يقود الحكومة من جهة، وللعمل الحكومي في القطاعات التي لا يشرف عليها التجمع من جهة أخرى، كان ذَا قوة ولهجة حادة. فأغلب الحاضرين والمتتبعين لم يكونوا لينتظروا شبه إعلان الطلاق هذا بين حزبي الائتلاف – وليس التحالف – الحكومي، ولو أن بوادر هذا الشنئان ظهرت مباشرة بعد انتخابات شتنبر الاخيرة، واعتقد البعض انه تم تناسيها في محاولة للحفاظ على تناسق البيت الحكومي لآخر لحظة من عمر الحكومة.
اختيار بنكيران عدم الرد الانفعالي، خلافا لعادته، هي نقطة تحتسب لصالحه، خصوصا أن مزوار عاد مساء نفس اليوم لموازنة مقاصده. لكن المبارزة لازالت في بداياتها وتنذر برياح وعواصف إعلامية وخطابية في الأشهر المقبلة، تحملنا حتى انتخابات أكتوبر.
ومع اشتداد الحماس الانتخابي وجب على الحكومة والأحزاب جميعها، وعلى رأسها رئيسها بنكيران، أن تأخذ في الحسبان الاعتبارات التالية:
أولا، شخصنة النقاش السياسي والعمل الحكومي قد يكون قد أدى، خصوصا مع بروز الظاهرة “البنكيرانية”، في بداية هذه الولاية إلى جعل تتبع مجريات وسياق الساحةالسياسية يبدو سهلا وفي متناول العموم. لكن مع الوقت، بدأت أثاره الجانية في الظهور، حيث أصبح الهجوم على السياسيين كأشخاص وليس كتوجهات وبرامج هو القاعدة. مما قد يؤدي إلى فقدان الثقة في الأشخاص والمؤسسات ومقاطعة واسعة للاستحقاقات المقبلة، لن تنفع الحملات الانتخابية الكلاسيكية في إعادتها أو ترميمها.
ثانيا، لا تزال تجربة G8 عالقة في الأذهان، ولن يتوانى حزب العدالة والتنمية في استعمالها كفزاعة في خطاباته الانتخابية، كوسيلة لمهاجمة “الهيمنة والتحكم” على المشهد السياسي الوطني. وإذا كان الرأي العام لم يستوعب فكرة القطبية الغير متجانسة في 2011، فالظاهر أنه ليس مستعدا اليوم لقبول فكرة التحالف القبلي للانتخابات بصيغة أخرى، خصوصا إن كان الهدف هو فقط الهجوم على “الخصم الذي تجب تصفيته” في شخص حزب العدالة والتنمية.
ثالثا، أن هذه السنة تعتبر سنة اقتصادية واجتماعية صعبة. فمن قلة الأمطار وانخفاض النمو المتوقع وانعكاس ذلك على سوق الشغل، إلى ارتفاع الاحتقان الاجتماعي والحركات الاحتجاجية والإضرابات… كلها عوامل توَلد خليطا غير صحي، خصوصا إذا أضفنا له صراعا سياسيا مفتوحا قد يحاول أصحابه استغلال كل العوامل السلبية في سبيل إسقاط الخصم. إذ من غير المفيد لأحد حل مشكل سياسي بالنفخ في مشكل اجتماعي قد يولد الانفجار.
رابعا، يُقبل المغرب هذه السنة على مواعيد مهمة، على رأسها كوب 22 التي ستحل مباشرة بعد انتخابات 7 أكتوبر، وغالبا قبل تشكيل الحكومة الجديدة. هذا معناه أن مزوار، رئيس لجنة التنظيم بقرار ملكي، سيبقى في موقعه إلى منتصف نونبر، وأن أي اهتزاز داخل البيت الحكومي أو خلال التدافع الانتخابي قد يؤثر على السير العادي لهذه التظاهرة العالمية،
كل الأمل إذن أن يأخذ الفاعلون السياسيون بمعايير الربح والخسارة للوطن أولا قبل الشخص أو الحزب. فإذا كان توجه الدولة يسير نحو تشجيع القطبية في الساحة السياسية، فأول أسس القطبية أن يكون لها تجذر في الشارع وبين المواطنين وفي مشاريع الأحزاب السياسية، لا أن تكون قطبية الخطابات والمقاعد والتحالفات البعدية والحقائب الوزارية.
إن الديمقراطية تُبنى بالوعي، والوعي تبنيه النخبة، والنخبة إن فسدت فسدت السياسة كلها، وإن صلُحت صلُحت السياسة كلها، وفوق هذا وذاك يبقى الدين لله، والوطن للجميع.
* فاعل سياسي وجمعوي