الرأي

النموذج التنموي الجديد و النموذج الحزبي القديم

عبد الحليم الحيول

يقف المغرب اليوم عند مفترق طرق تاريخي، لا يبدو أن الأحزاب السياسية تعي أهميته البالغة و لا انعكاساته على المستقبل القريب أو البعيد للبلاد، آية هذا اللاوعي أو العجز في الاستيعاب تكمن بصورة واضحة في غياب أي تصور و لو أولي للنموذج التنموي الجديد الذي يفترض أن يحل محل النموذج الحالي الذي بات في حكم المؤكد أنه استنفذ أدواره و أصبح غير قادر تماما عن مواكبة تطلعات المغاربة و عن الوفاء بأبسط طموحات المغرب في الحفاظ على مكانته الدولية أن لنقل الإرتقاء بهذه المكانة و تحسين مردودية البلاد ليس على المستوى الاقتصادي فقط و إنما على جميع المستويات.

خطاب الملك بمناسبة ذكرى ثورة الملك و الشعب جسد بشكل لا غبار على وضوحه، فهم المؤسسة الملكية لعجز الأحزاب، و هو حين أعلن عن تشكيل لجنة لصياغة نموذج تنموي جديد، أراده مغربيا- مغريبا على حد تعبير جلالته، كان يسحب البساط من تحت أقدام تلك الأحزاب التي لم تبرهن خلال السنوات الأخيرة سوى عن تدني مستويات الخطاب السياسي و عن التهافت الأعمى على المناصب و المكاسب السياسية، و منها من صارت فضائح المنتسبين إليها الحاملين صفة مناضلين زورا و بهتانا، مادة دسمة لوسائل الإعلام و وسائط التواصل الاجتماعي، و نحن هنا لسنا بصدد عد و تعداد تلكم الفضائح التي لم يخل منها أي من الأحزاب.

الظاهر أن المؤسسة الملكية أدركت أن عليها الأخذ بزمام الأمور و اتخاذ كل التدابير لتسريع وثيرة النمو العام للبلاد، و أن الاعتماد على الأحزاب سيحول مشروع النموذج التنموي الجديد إلى مجال للجدل العقيم الذي لا تحكمه المصلحة العامة للوطن بقدر ما ستتحكم فيه لوبيات المصالح والمآرب الخاصة، و يكفي أن نستحضر ما أثير بشأن مشروع القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية و التكوين، دون أن نذهب إلى سواه من مشاريع القوانينالتي تعرض على البرلمان لنفهم أي هدر الوقت و أي تمييع للحوار سيتم تجنبه و إعفاء المغاربة منه، من خلال تشكيل لجنة ملكية لصياغة مشروع للنموذج التنموي الجديد للمغرب.

ستفتح أفواه القادة السياسيين هذه المرة للتعبير عن آراء لاشك أنها ستكون اجترارا مملا للغة الخشب المعهودة في خطابهم السياسي، و سيركب كثيرون منهم مطايا الشعبوية لإرضاء مريديهم، لكن ذلك لن يكون إلا تأكيدا لخلو أحزاب كثيرة من الأطر الكفيلة بتقديم إضافات أو آراء يمكن اعتبارها صالحة لإثراء النقاش في الموضوع.

و قبل هذا و ذاك سنرى من ستدفع بهم الأحزاب لتمثيلها في اللجنة التي قرر الملك إحداثها لصياغة النموذج الجديد الذي سيكون بمثابة خارطة طريق للتنمية الشاملة لمغرب قرر القطع مع نموذج الريع السياسي و الفساد الإداري و الصعود السريع للأعيان إلى سدة المسؤوليات و تنامي النزعات الفردانية على حساب الصالح العام في مجالات عدة.

نعم ليس بأحزاب كالعدالة و التنمية او الأصالة و المعاصرة و لا حتى التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي و الحركة الشعبية يمكن النهوض بصياغة نموذج تنموي جديد و ليس بحزب التقدم و الاشتراكية و لا بالاستقلال يستطيع المغرب تحقيق ذلك، فالتجربة كشفت أن هذه التنظيمات تسعى حتى بعيدا عن أي منطق سياسي أو إيديولوجي إلى تقاسم كعكة المناصب و المكاسب، و لا ترنو سوى إلى الاستحقاقات الانتخابية حيث لم تخجل من التخلي عن أطرها من أبناء الدار و فتحت المجال واسعا و فسيحا أمام الأعيان و ذوي الثروات المشبوهة طمعا في اكبر حصة من المقاعد سواء في البرلمان أو الجماعات الملحية أو مجالس الأقاليم و الجهات، و لهذا فإن أغلب الأحزاب حتى و أن رددت بشكل أجوف و ببغائي صرف مصطلح ( النموذج التنموي الجديد) و استهلكه قادتها و لاكته ألسنتهم في كل مناسبة فإن ذلك لن يخفي إصرارهم على بقاء النموذج الحالي الذي استنفذ أدواره بالنسبة للبلاد و العباد،غير أنه مازال صالحا لمن لا يعنيه الصالح العام قطعا.

إنه  و تماما كما يحتاج المغرب إلى نموذج تنموي جديد فهو يحتاج إلىنموذج حزبي جديد يعيد الاعتبار إلى العمل النضالي النبيل و يمكن المواطن من استعادة الثقة في الحياة السياسية التي لا يرشح من دهاليزها إلا كل ما يبعث على الضجر و يستدعي كافة عوامل الملل و يحيل على إفلاس السياسة و الساسة، و هذا ما يجعل من إعلان الملك تشكيل تلكم اللجنة بمثابة نكبة البرامكة في الأحزاب التي استفاقت على خبر زادها تهميشا على ما هي عليه من تهميش و بعد عن القضايا المصيرية للبلاد و عن الهموم الحقيقية للمواطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى