تابع الجميع التطورات الأخيرة التي عرفتها قضية الوحدة الترابية المغربية، بعدما أقدم الأمين العام للأمم المتحدة على نعت الوضع القائم بالمناطق الجنوبية للمملكة بأنه “احتلال” مغربي للأراضي الصحراوية المتنازع عليها، وهذا التصريح الأول من نوعه يعتبر سابقة دبلوماسية تناقض كل الأعراف والمواثيق الدولية لمنظمة عالمية مبنية على الحياد والتجرد والتحفظ وعدم الانحياز. مما أسال الكثير من المداد وخلف ردة فعل قوية على المستويين الشعبي والدبلوماسي المغربي، من خلال تنظيم مسيرات شعبية تضمنت كل أطياف المجتمع المغربي من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، سواءا تلك التي شهدتها العاصمة الرباط والتي قدر عدد المشاركين فيها بثلاثة ملايين مواطن ومواطنة، آو تلك المنضمة بمدينة العيون والمقدر عدد مشاركيها ب 180 ألف، وعلى المستوى الدبلوماسي فبلاغ وزارة الخارجية كان صارما اتجاه تصريحات بان كي مون، بل اشد من ذلك فالقرار الأخير المتخذ من طرف المغرب والمتمثل في إجراء تقليص ملموس لجزء كبير من المكون المدني وخاصة الشق السياسي من بعثة المينورسو، وإلغاء المساهمة الإرادية التي تقدمها المملكة لسير عمل المينورسو والمقدرة في 3 مليون دولار أمريكي سنويا، وبحث صيغ سحب التجريدات المغربية المنخرطة في عمليات حفظ السلم والمقدرة بأزيد من 2370 جندي يشتغلون في المناطق الأكثر توثرا في العالم، كان له وقع خاص على المجتمع المغربي الذي أبان عن مواطنته الحقة واصطفافه كجنود مجندة وراء القيادة الملكية من اجل الدفاع عن قضيته الوطنية والتضحية بالنفس والنفيس في سبيل استكمال وحدته الترابية، وعلى المنتظم الدولي لخلط الأوراق وإعادة الحسابات بين الوهم والواقع في تعامله مع المغرب وصحرائه.
غير أن زلة لسان بان كي مون واستفزازاته، يجب أن يتم استثمارها بشكل اكبر واشمل، بانتهاج سياسة الترهيب والترغيب، في سبيل وضع حد وحل نهائي وجذري لهذا الجرح الذي استنزف طاقة وقوة المغرب، خاصة وان الأوضاع الجيوسياسية المتوترة في المنطقة تعتبر حافزا وعاملا ايجابيا مساعدا ومساندا لتثبيت الحق التاريخي والجغرافي والإنساني للمغرب في صحرائه. لاسيما وان الوضع السياسي والاقتصادي المشحون والمتشنج في الجارة الجزائر، والتي تعد الخصم الحقيقي للمغرب في هذه القضية، يعد الأنسب والأمثل لتحديد حل عاجل لقضية الصحراء، إذ أن الوضع الصحي المتدهور للرئيس بوتفليقة يفتح الأطماع والتطلعات والمنافسة في دائرة المحيطين به لخلافته مما قد يخلق نوعا من النزاع السياسي الداخلي، إضافة إلى أن انخفاض السعر العالمي للبترول والذي يعد المورد الأساسي للاقتصاد الجزائري كان له الأثر السلبي الواضح على ميزانية الدولة الجارة أجبرت حكومتها على إتباع سياسة التقشف وترشيد النفقات وخاصة في تمويل صنيعتها المدللة البوريساريو. إضافة إلى ذلك فشيخوخة القيادات المزعومة للبوريساريو (محمد عبد العزيز وشلته) واستحواذها دون غيرها بشؤون الحكم وتدبير المساعدات الدولية والتلاعب بها، خلق شرخا وزعزعة في مصداقية مطالبها كما زرع نوعا من الفتنة الداخلية من خلال انبعاث حركات شبابية صحراوية تطالب بالتغيير والكرامة والديمقراطية، مما خلف وضعا قابلا للانفجار داخل هذه المخيمات. كما أن الأوضاع غير المستقرة في عموم دول الضفة الجنوبية للمتوسط (حيث تعيش سوريا حرب أهلية، ويعيش لبنان أزمة سياسية، وتعيش مصر صراعات سياسية بين العسكر والجماعات الإسلامية، وتعيش ليبيا صراع سياسي وعسكري…) يجعل من إضافة بؤرة جديدة من النزاع والصراع العسكري في الصحراء ضربا من الجنون بالنسبة للمجتمع الدولي.
ومن جهة ثانية فسياسة الترغيب تفرض نفسها، من خلال كشف وتوضيح المكتسبات والمنافع التي سيجنيها المجتمع الدولي بإقراره لحق المغرب في صحرائه، أولا من الناحية الأمنية وذلك لضمان الاستقرار واستتباب الآمن والأمان بالمنطقة والتصدي للتهديدات الإرهابية المتنامية بمنطقة الساحل والصحراء، ثانيا فتح المجال الاقتصادي للاستثمار في الصحراء مما سيساعد على خلق التنمية المستدامة المحلية، وفتح البوابة الإفريقية البرية عبر موريتانية والسينغال والكوت ديفوار (الممر البري الغربي الإفريقي) مما سيخلق نوعا من الاستقرار والتنمية المندمجة وظروف عيش ملائمة في الدول جنوب الصحراء لقطع الطريق أمام تدفق المهاجرين نحو الشمال وخلق سوق رائجة لتصريف المنتجات والسلع، واستغلال مناطق زاخرة بالموارد الخام والخيرات الطبيعية.
لدى ونضرا للدور الريادي الذي أصبح يلعبه المغرب على المستوى العربي وعلى المستوى الإفريقي، سواءا من الناحية الاقتصادية والإستخباراتية والعسكرية. وفي حال تعنت الأمين العام للأمم المتحدة وتماديه في تصرفاته الاستفزازية، فمن المتوجب أن يلجأ المغرب إلى خطوات تصعيدية جديدة كرد فعل للدفاع، في احترام تام لميثاق الأمم المتحدة، عن مصالحه العليا، وسيادته ووحدته الترابية ، وذلك إلى حد أن توقف الرباط المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة في هذا الملف، وتسحب ثقتها من بان كي مون. خاصة إذا ما كانت هناك تطمينات من الدول الصديقة والداعمة، وتحديدا منها مكونات مجموعة أصدقاء الصحراء، وذلك وفق مبدأ رابح- رابح وسياسة الدفاع عن المصالح وجلب المنفعة التي تقوم على أساسها العلاقات بين الدول، مما سيفضي لا محال بالمجتمع الدولي إيجاد حل فوري ونهائي للقضية يصب في مصلحة المغرب والمتمثلة في الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء ووحدة أراضيه من طنجة إلى الكويرة، وحينها سيحل اليوم الذي ربما نشكر فيه أبناء أو أحفاد بان كي على فلتة لسان جدهم.
بقلم: محمد ضباش
ماستر مهن وتطبيقات الإعلام اكادير