الرأي

البرلمان الاوروبي يفقد صوابه

الدكتور منعم بن صالح / باحث في القانون العام

إثر مصادقة البرلمان الأوروبي يوم الخميس 19 يناير 2023، على قرار يتهم من خلاله المغرب بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، وتشكيكه في مصداقية ونزاهة استقلال القضاء المغربي، فيما يتعلق بعدم احترام حرية الرأي والصحافة. استنكر المغرب وبشدة هذه التوصية أو هذا القرار الذي يتناقض مع طبيعة عمل البرلمان الأوروبي، الذي ليست له الصفة لتقييم وضعية حقوق الإنسان بالمغرب.

لكن ما يلاحظ، أن صدور القرار جاء في سياق دولي مضطرب يشهد فيه العالم تحولات جيو-سياسية بسبب الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، في الوقت الذي تنتهز فيه الجزائر فرصة “أزمة الغاز” لاستمالة الدول الأوروبية الراغبة في تجنب الأسواق الغازية الروسية، مما يكشف بالملموس الحقد والعقلية الإجرامية للنظام العسكري الجزائري تجاه المغرب، بالنظر لما حققه هذا الأخير من إنجازات تنموية تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس، في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. حيث أصبح نموذجا يحتذى به على المستوى القاري والإقليمي والدولي، وانخراطه التدريجي في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان من خلال مصادقته على العديد من الاتفاقيات والنصوص الدولية، وحرص المملكة المغربية على تقوية وتطوير الإطار القانوني والمؤسساتي تنزيلا لمقتضيات دستور 2011، بهدف إعمال المعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان على الصعيد الوطني.
وتجمع المغرب بدول الاتحاد الأوروبي مجموعة من الاتفاقيات في المجال القضائي:
• اتفاقية في ميدان تسليم المجرمين بين المملكة المغربية والجمهورية البرتغالية الموقعة بالرباط في 17 ابريل 2007.
• اتفاقية التعاون القضائي في الميدان الجنائي بين المملكة المغربية المملكة البلجيكية الموقعة ببروكسيل في 7 يوليوز 1997.
• اتفاقية بين المملكة المغربية والمملكة الهولندية متعلقة بنقل الأشخاص المحكوم عليهم إلى وطنهم الموقعة بالرباط في 30 نونبر 1999.
• اتفاقية التعاون القضائي المتبادل وتنفيذ الأحكام القضائية وتسليم المجرمين المبرمة بين المملكة المغربية والجمهورية الايطالية بروما يوم 12 فبراير 1971.
• المعاهدة القضائية بين المملكة الشريفة والدولة الفرنسية التي تم التوقيع عليها بالرباط في 10 يونيو 1956.
وهذا ما يبين بالملموس بان المعاهدات والاتفاقيات المبرمة بين المملكة المغربية ودول الاتحاد الأوروبي في الميدان القضائي، قائمة منذ سنوات، ولا يمكن الاستغناء عنها، لما لها من أهمية كبرى ومصالح مشتركة بين الطرفين.
ومن هذا المنطلق، فان قرار البرلمان الأوروبي الذي تضمن اتهامات ومزاعم تستهدف استقلال السلطة القضائية المغربية، بخصوص قانونية الإجراءات القضائية المتخذة بشان قضايا تتعلق بالحق العام، يفتقد إلى المشروعية، لكونه مبني على مغالطات لا تستند على أساس من الواقع، ويعتبر تدخلا مستفزا وسافرا في الشؤون الداخلية للمملكة المغربية. فما يحاك ضد المغرب يضر بعلاقات الصداقة والمصالح الحيوية المشتركة المغربية- الأوروبية.

وهي علاقات لطالما اعتبر فيها المغرب شريكا استراتيجيا وحيويا لأوروبا، كما أكد على ذلك مجموعة من المسؤولين الأوربيين، كما أكد على ذلك رئيس الحكومة الاسبانية بيدرو سانشيز خلال جلسة الكونغرس الاسباني يوم الثلاثاء 24 يناير 2023 بالقول: “انه من الملائم لاسبانيا والاتحاد الأوروبي الحفاظ على أفضل العلاقات مع المغرب للسيطرة على تدفقات الهجرة”. كما عبر خوان فرناندو لوبيز اغيلار، عضو بالبرلمان الأوروبي، استهداف المؤسسة الأوروبية المغرب عبر خطاب وصفه ب “القاسي وغير البريء”، في إشارة إلى القرار غير الملزم الذي صوت عليه البرلمان الأوروبي بالأغلبية الذي حاول من خلاله “إدانة المغرب بسبب انتهاكه لحقوق الإنسان ولحرية الصحافة والتعبير”.

أما على المستوى القضائي، يمكن القول بان المغرب قطع أشواطا جد مهمة في السنوات الأخيرة في مجال تكريس استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية منذ سنة 2017، فضلا عن التجسيد الدستوري بمقتضى دستور 2011، المتمثل في إحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية سنة 2017 تماشيا مع المعايير الدولية في مجال استقلال القضاء والتي ما زالت بعض الدول الأوروبية بعيدة عن تحقيقها. بالإضافة إلى مجموعة من المؤسسات المهتمة بحقوق الإنسان كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان ومؤسسة الوسيط.

يمكن القول، بان المغرب ملكا وحكومة وشعبا بكل أطيافه ومكوناته، سيبقى صفا متراصا في وجه كل يحاك ضده، بتعزيز الجبهة الداخلية والدفاع عن سيادته وحماية حقوقه المشروعة، وأن السلوكات والتحرشات التي يتعرض إليها من بعض الدكاكين السياسية الأوروبية والمنظمات الحقوقية المدعومة من طرف خصوم الوحدة الترابية المغربية، لن تزيد المغرب إلا إصرارا وتشبتا بالدفاع عن مقدساته وحقوقه المشروعة في إطار ما تضمنه القوانين الوطنية والشرعية الدولية.

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى