الرأي

حلفاء البغدادي في المدرسة المغربية

جواد الـحامدي

بسبب تغلب التكوين الإيديولوجي الإسلامي، على التكوين المهني و الالتزام بمبادئ المهنة وبالضمير المهني، تنتهك يوميا مبادئ التعليم العصري وقواعد العقلانية، من طرف بعض المدرسين والمدرسات الذي كان هدفهم الرئيسي هو الأجر الشهري، كما أخبرني ذات يوم رجل تعليم دون خجل “كنْقريوْ للأطفال جوج حروف ألفٌ باءٌ، و كنشدو الفلوس” وفق تعبير رجل تعليم أنذاك
اعتبر الخبز هدف أعلا على مواطن الغد، و اعتبر الإيديولوجيا و الإيمان المفرط في الدين أولوية على المقرر، جعلهم لا يدركون فداحة بعض ما يؤتونه من سلوكات ماسة بنفسية التلاميذ ومبادئ المهنة التي يمارسونها.
و لعلا أبرز هذه السلوكات الغير تربوية التي يعتقد أصحابها أنها من صميم أهداف التربية ما قام أحد المدرسين قبل أيام قليلة بمراكش، و تحديدا حي المحاميد بإعدادية “المغرب العربي”، حيث يمنع منعا كليا لأي فتاة الدخول إلى القسم دون “الحجاب على رأسها”، و اللباس الديني للذكور، و تعرض العديد من التلاميذ الذين خالفوا “القانون” للضرب على يد الأستاذ المسن، و بسبب هذا الإجراء الداعشي المتخلفـ، تدخل أحد الأباء لدى نيابة التربية الوطنية لإنقاذ الإبن، و كان رد هذه الأخيرة أن الأستاذ لا يفصله عن التعاقد سوى سنة واحدة، أي منْطق “سْلك” على حساب الطفولة.
أما زميل الأول في المهنة، أحد المعلمين بمدرسة مغربية فقد عرض شريط على التلاميذ أنتج في بعض القنوات الدينية الوهابية ببلدان الخليج، وهو شريط يحكي حكاية مرعبة لطفل فضل الاستمرار في اللعب وقت الصلاةذ، فإذا به يموت ويدفن فتتولى أمره زبانية العذاب تحت التراب يسئلونه عن جريمته النكراء ويهوون عليه بالأعمدة الضخمة فيهشمون رأسه ويمارسون عليه كل أنواع التعذيب الرهيبة، ليستيقظ الطفل بعد ذلك ويكتشف أنه كان يحلم بعذاب القبر فيتوب عن تقاعسه في أداء الصلاة في وقتها.
هذا الشريط يعرض داخل مدارس مغربية لتلاميذ يبعث بهم آباؤهم للتعلم، وإذا بهم يجدون أنفسهم أمام مدرسين ساديين لا يحسنون إلا ترويج ثقافة الموت والرعب، يروجون لبضاعة لا صلة لها مطلقا بالتربية ولا بعلومها، فالأسلوب الوحشي الذي أنتج به الشريط لا يمكن أن يكون صادرا إلا عن عقلية بدوية لبعض الأجلاف من الأعراب الذين لا صلة لهم بالتمدّن من قريب أو بعيد، والمشكل أن هذا الإنتاج الذي هو في غاية الرداءة يروج داخل مدارسنا دون علم وزارة التربية الوطنية ودون علم الكثير من الآباء.

في سياق متصل، أعطى أحد مدرسي اللغة العربية بالابتدائي لتلامذته الذين لا يتجاوزون العاشرة من عمرهم لائحة من الأسئلة مطالبا إياهم بالإجابة عنها دون اللجوء إلى الأنترنيت، وهي أسئلة من النوع التالي: ما هي الآية القرآنية التي ذكر فيها “البعوض” ؟ كم عدد المرات التي ذكر فيها لفظ “الجنة” في القرآن.
مدرس آخر عندما سأله بعض التلاميذ عن السبب الذي جعل الدول الغربية متقدمة ودول المسلمين متخلفة، أجاب بأن الفارق بين المسلمين والغرب بدأ يضيق، ولكي يعطي مثالا أشار إلى أن الدول الغربية ستصبح دولا إسلامية في حدود 2030، وأولها بلجيكا، وعندما سأله التلاميذ بلهفة كيف ذلك ؟ أجاب الأستاذ الحكيم العلامة مفسرا: إن الغربيين لا يلدون، بينما المسلمون يتوالدون بنسبة خصوبة مرتفعة، وبعد ثلاثين سنة ستصبح هذه الدول في حكم المنقرضة، وستئول الغلبة للمسلمين إن شاء الله. إنه مرة أخرى “جهاد النكاح” الذي هو التوالد والتكاثر من أجل تحقيق الغلبة وفرض الدين بصوت “الأغلبية”. فخارج المقاربة الديموغرافية لا يملك دعاة الإسلام السياسي أيّ حل أمام المشاكل التي يتخبط فيها الغرب والشرق معا.

إن تعريف التلاميذ بمضامين دينية لا يكون وفق الثقافة التقليدية القائمة على الترهيب والتخويف والعنف والدم، بل عن طريق العقل ومنطق الفكر الحي المشبع بنزعة إنسانية تحبب للتلميذ المضامين التربوية، ولا تصنع منهم مرضى نفسيين.

ـ في مدرسة أخرى وخلال إحدى الأنشطة الإشعاعية التي يُستدعى إليها الآباء، فوجئ هؤلاء بمُدرّسة تقدم من بين مواد الحفل المشهد التالي: تسع تلميذات في الثانية عشرة من عمرهن تتحدثن على أنهن نساء النبي، ولم تنتبه المُدرّسة إلى الموقف اللاتربوي الذي وضعت فيه تلميذاتها وأمام آبائهن وأمهاتهن، وهو موقف يتعارض كليا مع قوانين الدولة ومكتسبات المغرب الحديث، فلا أحد يتزوج اليوم بتسع نساء. كما أن إحدى التلميذات والتي عمرها 12 سنة تكلمت أمام الجمهور لتقول “تزوجني الرسول (ص) وأنا ابنة تسع سنين”، لم تتساءل المُدرسة عن نفسية الطفلة التي تتخيل طفلة أصغر منها بعامين وقد تزوجت، هل كانت المُدرّسة على وعي تربوي بما تفعل ؟ ألم تجد في المضامين التربوية الدينية ما يمكن أن يقدم دون أي تعارض مع حياة المغاربة وقيمهم ومع أهداف المدرسة والتعليم العصري؟

ـ مدرس آخر في الإعدادي وخلال شرحه لإحدى الدروس لم يجد من مثال يقدمه إلا الأحدث الإرهابية لـ 16 ماي 2003 بالدار البيضاء، والتي صدمت الوجدان الوطني وتركت ندوبا في الذاكرة لا تبلى، حيث حذر المدرس المعتوه تلامذته من أن يعتبروا ما حدث عملا إرهابيا، مشيرا إلى أن مثل هذه التسميات “صهيونية” تستهدف المسلمين، فالموت من أجل الدين جهاد في سبيل الله كيفما كان وحيثما كان، وهكذا أصبحت الأعمال الإجرامية التي أدانها الضمير الوطني جهادا ومقترفوها أبطالا، وكل هذا في المدرسة المغربية، وبالمال العام.

ـ مدرس آخر طرح على التلاميذ السؤال التالي :هل يمكن الحديث عن “حضارة مغربية”؟ التلاميذ الذين أجابوا بنعم كانوا ضحية ذكائهم وحبهم لوطنهم، والسبب أنه حسب المدرس لا يوجد شيء إسمه “حضارة مغربية”، فتلك تسميات من صنع الاستعمار، وإنما هناك حضارة واحدة هي الحضارة الإسلامية ممتدة على خريطة الأمة (كذا!) وليذهب التاريخ والأنثروبولوجيا وكل علوم الإنسان إلى الجحيم.

ـ
ولكن من جانب آخر أليس الآباء الذين يسكتون عن مثل هذه الأخطاء الخطيرة لبعض المدرسين والمدرسات، أشبه ما يكونون بأجداد بعض المغاربة الذين كانوا يقولون لفقيه المسيد “أنت اقتل وأنا ندفن” ؟

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى