لتوضيح بعض نقط حول مشاكل مطروحة بين صانع ومركب الأسنان وتقني مرميم الأسنان وهياة الأطباء الاسنان في قانون 14/25.
عقود طويلة من الزمن كانت كلها عطاء واجتهاد ومثابرة قدم خلالها صانع ومركب الأسنان خدمات جليلة للمجتمع، وخصوصا عندما كان يغطي كامل التراب الوطني ،أي قبل احداث كلية طب الأسنان سنة 1981، حينها كان صانع ومركب الأسنان هو المنقذ الوحيد فيما يتعلق بالأمور المرتبطة بالأسنان من قلع وتركيب وتجميل…، آنذاك كانت المردودية هائلة والنتائج ممتازة والمشاكل قليلة إن لم نقل منعدمة.
أما اليوم وبالرغم من كون صانع ومركب الأسنان لازال يغطي أكثر من سبعين بالمائة في المجال الحضري، ومائة بالمائة في العالم القروي، فإنه لم تعط له القيمة الحقيقية التي يستحقها ، ولم يؤت حقوقه المشروعة على غرار أمثاله من المهنيين، بل أكثر من ذلك،أنه يتعرض بين الفينة وا لأخرى لشتى أنواع الإستفزازات والمضايقات من طرف بعض أطباء الأسنان أو من ينوب عنهم، بدعوى أنهم يساهمون في نقل الأمراض من خلال استعمالهم لأدوات غير معقمة، لكن هذا الكلام مردود عليه بدليل أن صانع ومركب الأسنان اليوم لم يعد ذلك الصانع التقليدي البسيط، و إنما أصبحت له من الوسائل ما تؤهله لتحقيق أفضل النتائج وليكون في احسن الاحوال، على اعتبار انه اصبح يتوفر على آليات وأجهزة حديثة وعصرية ووسائل تعقيم متطورة. ولعل الكم الهائل والعدد الكبير من المواطنين الذين يتعاملون يوميا مع صانع ومركب الأسنان لخير دليل .
لكننا نعود و نؤكد أن الخطأ وارد في جميع المهن، إلا أن إحتمالات حدوث الخطأ لدى صانع ومركب الأسنان تبقى ضئيلة، لماذا ؟ لأنه يحتاط قدر الإمكان لسبب بسيط وهو كونه يعلم جيدا أنه يفتقد للحماية القانونية.
بالمقابل نجد جهات أخرى تتبجح بالحماية والحصانة القانونية لتفعل ما تشاء بل وتنصب نفسها وصية على غيرها دون موجب حق .
و لعل الظهائر التي تطرقت لمهنة طب الأسنان (ظهير 1916-34-58-1960) لم تشر إلى هذه المهنة إلا بصفة عرضية، و لم تتناول بالتحديد من هو صانع و مركب الأسنان كما هو مبين من خلال الفقرة الأخيرة من المادة السابعة من الظهير الشريف ل 1960. و منذ 1960 لا زال الحال على ما هو عليه ، رغم صدور العديد من الدوريات التي تدعو إلى تفعيله، و هذا خير دليل على أن مهنة صناعة وتركيب الأسنان حاجة أفرزها المجتمع وضرورة مهمة نظرا لعدد المهنيين الذي ارتفع بنسبة مهمة، و أصبحت خدماتهم مطلوبة على الصعيد الوطني في مختلف المدن و القرى والمداشر، هذا في الوقت الذي لا يتجاوز فيه عدد أطباء الأسنان “أربعة آلاف” طبيب، بصرف النظر عن طرح السؤال المتعلق بالرقم المعتمد من قبل المنظمة العالمية للصحة التي تجعل المغرب في المرتبة الأخيرة حسب إحصائيات 2006، ما يعبر عن الخصاص المهول.
وبالرغم مما سبق صادق المجلس الحكومي بتاريخ 25 فبراير 2015 على مشروع القانون رقم 14–25 المتعلق بتنظيم مزاولة مهن محضري ومناولي المنتجات الصحية؛ هذا المشروع الذي ضرب في عمق مهنة صانع ومركب الأسنان ولم يبال بالتراكمات التاريخية لهذه المهنة، والتي أدت ولازالت خدمات جليلة للمواطن المغربي سواء في الحواضر أو القرى على مدى أكثر من ثمانية عقود؛ هذا القانون الذي أُستصدر دون ما أدنى تشاور أو إشراك للأطر الممثلة لمهنيي قطاع صناعة وتركيب الأسنان بما في ذلك من خرق لمقتضيات الفصلين 12 و13 من الدستورالأسمى للبلاد “2011” ، وعدم انسجام مع الفصل 35 من مشروع القانون؛ هذا القانون الذي أُريد به تطبيقه بأثر رجعي مع ما ينجر عن ذلك من هدر للحقوق المكتسبة وهذا ما يُستشف ضمنا من عدم ذكره لأي مرحلة انتقالية. إننا اليوم نقف وقفة تأمل في هذا القانون الذي إن خرج إلى حيز الوجود سيؤدي إلى بتر عضو نشيط وحساس يسهر على صحة المواطنين، هذا العضو الذي يتألف من أكثر من ثلاثين ألفا من المهنيين دون مستخدميهم الذين يتراوح عددهم بين مستخدمين إلى أربعة مستخدمين لكل مهني، دون المتدخلين غير المباشرين المتمثلين في موزعي المواد الأساسية لصناعة وتركيب الأسنان.
فبالقراءة المتأنية لنصوص هذا القانون وجدناه يُنبأُ بإقصاء لممتهن صناعة وتركيب الأسنان لفائدة طبيب الأسنان الذي لم يشرع في عمله إلا في سنة 1987، والذي لا يوجد إلا في المدن الكبرى، ولا وجود له في القرى مع ما يترتب عن ذلك من حرمان شريحة كبيرة من المواطنين من علاج وتقويم أسنانهم. و على ذلك نسجل على مشروع القانون الملاحظات الأساسية الثلاث الآتية:
أولا: إذا كان من المتعارف عليه على مر الزمان أن مهنة صناعة وتركيب الأسنان تزاول انطلاقا من التدريب لمدة تناهز الخمسة عشر سنة، ثم التجربة الميدانية التي قوامها مجموعة من المعارف المكتسبة المستمدة من التكوين المستمر من خلال الدورات التكوينية التي تعقد بشكل دوري لفائدة مهنيي القطاع، بالإضافة إلى تشاركهم خبراتهم بينهم، فإننا نلاحظ أن المادة الثالثة من هذا المشروع جعلت من ممارسة صانع رمامات الأسنان -كما أسمتها- مشروطة بالحصول على شهادة أو دبلوم في التخصص لدى مراكز ومعاهد التكوين الخاصة بذلك.
ثانيا: إن صانع ومركب الأسنان يسدي خدماته لزبائنه بنفسه دون إمرة أحد، ذلك أن معارفه وتكوينه تمكنانه من ذلك، في حين أنه بالرجوع إلى المادة الخامسة من المشروع نجد أن صانع رمامات الأسنان يمارس مهامه تحت إمرة أو إشراف طبيب.
ثالثا: إن هذا المشروع خصص القسم الرابع للعقوبات وأفرد له إحدى عشر مادة زاوجت بين عقوبات الغرامة والعقوبات الحبسية، وقد استنكرنا بالقراءة المتأنية له ضربه في عمق مهنتنا وحقوقنا المترتبة عن مزاولتها، خاصة البند الأول من المادة السابعة والثلاثون من المشروع، متناسيا مبدأً دستورياً معروفاً وهو عدم هدر الحقوق المكتسبة بقوانين لاحقة، وعدم تطبيق القانون بأثر رجعي، فمهنة صانع ومركب الأسنان كائنة ومتجدرة والحقوق المترتبة عنها اكتُسبت من طرف ممتهنيها ولا يمكن القبول بهدرها وإلا اعتبر ذلك خرقا للدستور.
فمما سبق نطالب الوزارة الوصية بمراجعة وإعادة صياغة هذا المشروع بما يتماشى وخصوصية مهنة صناعة وتركيب الأسنان والظروف التي نشأت فيها وما جعلها تستمر لكل هذه العقود بطريقة تشاركية ، وذلك عن طريق تقنينها وهيكلتها طبقا للكيفية التي هي عليها حاليا، والتي مورست بها عقودا كما أسلفنا، وذلك عن طريق تخصيص شق من المشروع لتقنين مهنتنا العريقة، ولن يتم ذلك إلا من خلال: التعريف بمهنة صناعة وتركيب الأسنان؛ تحديد وظائف ومهام ممتهنيها؛ الاعتراف بكفاءتهم المهنية لمزاولة هذه المهنة؛ تكليل هذه الكفاءة بشواهد ولو عن طريق اختبارات وتكوينات؛ وضع حد للمرحلة الفاصلة بين مرحلة ما قبل التقنين وما بعده؛ تحديد حقوق صانع ومركب الأسنان وواجباته؛ تحديد ماهية الخطأ المهني…
و ختاما، نرجو أن يولى قطاعنا هذا اهتماما خاصا، و أن يجعل ضمن الأولويات على الصعيد الوطني حتى يتحقق ما يتطلع إليه هؤلاء المهنيون و يضمن حقوقهم المكتسبة .
عبد الفتاح الاكحل