أكلدون إد بكريم – ناشط ومدون امازيغي
صفوة القول أننا نستطيع أن نسقط مقولة الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة “أبراهام لينكولن” والتي مفادها “إذا استطعت أن تكسب رجلا إلى قضيتك فأقنعه بداية بأنك صديقه المخلص” على أغلب السياسيين المخضرمين الذين جربهم الزمان، سواء في المغرب ( أمور ن واكوش) أو بباقي بلدان العالم.
مناسبة هذا الكلام هو هذا النشاط المتدفق من ينابيع قادة حزب التجمع الوطني للأحرار وإنزالهم الاستعراضي مؤخرا بخصوص موضوع الأمازيغية والنشطاء الأمازيغ، وذلك الغزل العذري العفيف المتبادل بين الحزب وبعض النشطاء الأمازيغ. غزل لا يخطىء غرضه الشعري، عفوا غرضه السياسي، إلا المنفصلون عن الواقع أو مستصغروه من جميع الأطراف الأخرى.
فقد قام الحزب مؤخرا بعقد لقاءات متعددة وورشات مختلفة عنوانها الأمازيغية، تصب كلها في منحى واحد، وهو تغيير تلك الصورة النمطية القاتمة المأخوذة عن الحزب وخذلانه للأمازيغ في معركتهم المصيرية من أجل تفعيل القوانين التنظيمية للأمازيغية سنة 2013 بعد ترسيم الأمازيغية، وتوظيف الصراع السياسي مع الإسلاميين الأعداء المفترضين للأمازيغية لرص الصفوف، وشحذ همم شركاء محتملين من داخل المنظومة الأمازيغية…
ولاشكً أن علاقة الحزب التجمعي بالأمازيغ علاقة شابها مد وجزر، بداية منذ سنوات قليلة عندما تبنى الحزب مقترح قانون لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية سبق وأن تقدم به للبرلمان أثناء تواجده في المعارضة، قبل أن يتم سحب المقترح من الحزب نفسه بعد التحاقه بحكومة الإسلاميين سنة 2013 في تصرف برغماتي غريب آنذاك. مما خلق حالة من الإستياء لدى نشطاء الحركة الأمازيغية الذين اتهموا الحزب بالتلاعب السياسي بالقضية الأمازيغية، وتوظيفها سياسيا لأسباب حزبية محضة. وكانت الفنانة الأمازيغية ( تباعمرانت ⵜⴰⴱⴰⵄⵎⵔⴰⵏⵜ) تحت المدفع لصفتها البرلمانية آنذاك بالحزب.
وهذا الارتباك الحاصل في المواقف بدأ في الإنقشاع نسبيا منذ تولي عزيز أخنوش لدفة حزب الأحرار ومحاولاته المتعددة خلق نوع من التطبيع بين الحزب والنشطاء الأمازيغ تحت مسميات عديدة كلها تنحو منحى توفير مناخ الثقة في تدبير المرحلة المقبلة والتي يعتبرها مرحلة تاريخية جديدة ومهمة. فديناميكية أخنوش في هذا المضمار يزكيها أنه رجل دولة من الطراز الرفيع، أو على الأقل علاقته الوطيدة بدائرة الحكم، وهذا لا ينفي كونه رجلا سياسيا محنكا. وهذه سمة لا تكاد تخطئها أي عين في كل خطوة يخطوها وكل قرار يتخذه وأي تصريح يدلي به.. إذ دائما ما يحاول أن يثبت أن حزب “الأحرار” تحت قيادته ماهو إلا استكمال لمسيرة الحزب، لكن ببصمته “الأخنوشية” الخاصة والمراعية للمناخات الاجتماعية، الاقتصادية والجيوسياسية المتقلبة.
ولعله من نافلة القول التذكير بأن التجمع الوطني للأحرار حزب إداري ذو نَفَس ليبيرالي تجتمع فيه صفوة النخبة والإطارات الوطنية صاحبة التوجهات الاقتصادية والحالمة بمبدأ “الديمقراطية الاجتماعية”. هذه الديمقراطية الاجتماعية التي تدعو لترسيخ مبادىء العدالة الاجتماعية وفق إطار رأسمالي. وهنا يتلاقى الحزب بشكل جزئي مع المشروع الاقتصادي والاجتماعي للحركة الأمازيغية، دون الغوص المريب في الرأسمالية والتبعية للغرب أو الشرق كما هو حال الدولة المغربية حاليا.
ومن جهة أخرى يتنافر المشروع بين الطرفين لكون الحركة الأمازيغية حركة احتجاجية كسائر الحركات الاجتماعية في العالم، تروم كذلك إلى وقف سياسة نزع أراضي السكان التي مازالت مستمرة لغاية اليوم بتعليمات بعض أصحاب الديمقراطية الاجتماعية بغرض تشييد المحميات وبعض مؤسسات الدولة.
فالأمازيغ يصفون أنفسهم بالرجال الأحرار، وهاهم اليوم في مفترق الطرق أمام حزب الأحرار. و لا نعلم إن كان يسعى الحزب لتوظيفهم سياسيا، أم فعلا يريد مصالحة حقيقية مع هؤلاء الأمازيغ ضمن إطار العدالة والديمقراطية الاجتماعيين ؟!! أم أن هؤلاء النشطاء الأمازيغ أو بعض منهم، يرومون كذلك استغلال حظوة الحزب للقفز بشكل فردي على الإجماع المتآكل داخل الحركة الأمازيغية من أجل الحصول على المناصب التي تبقى حقا موجبا لأي سياسي كيفما كان ؟!!
الأحرار يتغزلون بالأحرار … ولا نعلم من منهم المستفيد من هذا الغزل العذري .. هل الأحرار السابقون أم الأحرار اللاحقون… ومقولة أبراهام لينكولن “إذا استطعت أن تكسب رجلا إلى قضيتك فأقنعه بداية بأنك صديقه المخلص” ربما ضاعت بين الفريقين من الأحرار … فالمشهد السياسي المغربي عامة لا يُؤْمِن بالصديق أو الحليف، نظرا لسوريالتيه العجيبة وبرغمايته الصارخة. ولكن لكي لا نكون “عدميين” فلنترك الأحرار يتغزلون بالأحرار، في انتظار أن تتوج هذه العلاقة ب “أحرار صغار” في مشهد سياسي كبير.