بميزانية فاقت ثمانية ملايير سنتيم : توقف أشغال مشروع “وادي الطيور”. وأكادير تغرق في فشل مشاريعها التنموية ووالي الجهة في سبات.
حديقة وادي الطيور بأكادير، كانت يومًا وجهة محبوبة للعائلات ومتنفسًا طبيعيًا وسط المدينة، أصبحت اليوم رمزًا للإهمال وسوء التدبير. تأسست الحديقة بين عامي 1982 و1986، وكانت تضم مجموعة من الطيور المستوردة وشلالات اصطناعية، مما جعلها من أبرز معالم المدينة. لكن مع مرور السنوات، تفاقم الإهمال الذي طالها، ما أدى إلى تدهور مرافقها ونفوق العديد من حيواناتها. وفي عام 2021، تقرر نقل ما تبقى من الطيور والحيوانات إلى جهات أخرى تمهيدًا لإطلاق مشروع إعادة التأهيل، الذي وُعد بأنه سيُعيد الحياة لهذا الفضاء.
حلم الحسن الثاني
تعود الفكرة إلى سنة 1982 حين أمر الحسن الثاني بإنشاء مشروع سياحي ترفيهي يجمع بين الماء والخضرة في قلب المنطقة السياحية، وأن يجلب له القائمون عليه مختلف أنواع الطيور والحيوانات من أنحاء أقطار مختلفة، يومها كانت أكادير تتربع عرش السياحة الوطنية بدون منازع، وكانت تستهوي الملك الراحل يتجول بين أحيائها فوضع تلك الفكرة التي تقوم على تهيئة ذلك المكان بالمنطقة السياحية ليصبح قطعة خضراء تتقاطع بها أصوات الوحيش القادم من كل البقاع ويمر منها وادي اصطناعي.
بين 1982 و1986 أصبح حلم ملك على أرض الواقع، سهر على تنزيله مكتب الدراسات دولي فوق ثلاث هكتارات بقلب المنطقة السياحية لعاصمة الانبعاث، جلبت طيور ناذرة من آسيا وأستراليا وأمريكا اللاتينية، كما من اوروبا، واستقدمت حيوانات من قلب أدغال أفرقيا لكي تعيش مع الطيور فوق ثلاث هكتارات تتقاطع مع ثلاث شوارع رئيسية كبرى، شارع الحسن الثاني الممتد من حي البطوار حتى تالبورجت، وشارع محمد الخامس الذي ينطلق من القصر الملكي نحو الميناء، وشارع 20 غشت الذي يمر من خلف القصر الملكي وينتهي بمنتصف الكورنيش قرب ” جور إينوي”.
وعود من ورق ..!
رغم الآمال الكبيرة التي رافقت الإعلان عن المشروع ضمن برنامج التنمية الحضرية لأكادير 2020-2024، إلا أن الواقع خالف كل التوقعات. المشروع الذي رُصدت له ميزانية أولية بلغت أزيد من 74 مليون درهم، ارتفعت لاحقًا إلى 82 مليون درهم، كان يهدف إلى تحويل الحديقة إلى فضاء عصري يتضمن بحيرات، محمية طيور، مآوي للحيوانات، ومرافق ترفيهية. لكن بعد مرور أزيد من الوقت المحدد، لا تزال الحديقة مغلقة، والأشغال متوقفة، بينما المدة الزمنية المحددة لإنجاز المشروع قد انتهت دون أي تقدم يُذكر.
وقد أثار هذا التعثر استياءً كبيرًا بين ساكنة أكادير، ورواد التواصل الاجتماعي، الذين عبّروا عن غضبهم من غياب الشفافية حول أسباب توقف الأشغال. الحديقة التي كانت متنفسًا هامًا للعائلات، أُغلقت لسنوات دون تقديم أي حلول بديلة أو توضيحات رسمية. كل ما يواجِهه المواطنون اليوم هو موقع مهجور، وشخص واحد يقوم بحراسته، في مشهد يعكس فشلًا ذريعًا في تدبير المشاريع التنموية في سلسلة المشاريع الفاشلة المتعلقة ببرنامج التنمية الحضرية لأكادير 2020-2024.
وما يزيد من حدة الإحباط هو أن حديقة وادي الطيور ليست سوى مثال واحد من بين العديد من المشاريع المتعثرة في أكادير. برنامج التنمية الحضرية، الذي كان يُفترض أن يكون قاطرة لتحسين جودة الحياة بالمدينة، بات يُنظر إليه كعنوان للإخفاق وسوء التخطيط. ارتفاع التكاليف، توقف الأشغال، وغياب المحاسبة أصبحت السمات البارزة لهذه المشاريع، مما يدفع المواطنين إلى التساؤل عن مصير الأموال المخصصة لها وعن المسؤول الحقيقي عن هذا الوضع و الغياب التام لكل من رئيس المجلس الجماعي و والي الجهة و الشركة المسؤولة.
المحاسبة أولاً
في ظل هذا الواقع، تتعالى أصوات المواطنين للمطالبة بفتح تحقيق جدي حول أسباب هذا التعثر، ومحاسبة كل من تورط في إهدار المال العام. كما يدعون إلى إعادة النظر في طريقة تدبير المشاريع الملكية بالمدينة، لضمان تنفيذها وفق الجداول الزمنية المقررة وبأعلى معايير الجودة.
استمرار هذا الوضع لا يضر فقط بسمعة المدينة، بل يهدد أيضًا بفقدان ثقة المواطنين في قدرة الجهات المعنية على تحقيق التنمية بالمدينة. أكادير تحتاج اليوم إلى إجراءات عاجلة وحاسمة لإنقاذ مشاريعها الكبرى، بدءًا من حديقة وادي الطيور، التي كانت رمزًا للحياة في المدينة وأصبحت الآن شاهدًا على الإهمال كباقي المشاريع الفاشلة.