محمد أكضيض: عميد شرطة ممتاز متقاعد
الملف الأمني بأكادير يديره رجال مخلصون وذوو كفاءة عالية
كيف يمكنكم في البداية تقييم الأداء العام للمدير العام الحالي للأمن الوطني، خصوصا فيما يتعلق بتحقيق ما يسعى إليه من المغرب من حكامة أمنية فعلية؟
يمكنني أن أقول لكم أن المدير العام للأمن من النخبة المثقفة بالمغرب، ويدرك جيدا ما يحتاجه الجهاز الأمني بالمغرب، لقد شاهدنا جميعا كيف اتخذ جملة من الإجراءات لتخليق الحياة العامة بالجهاز وتحسين صورة الأمن الوطني، بحيث أنه يعتمد على محورين في مهمته، الأول يتجه نحو دولة الحق والقانون، ضمنها محاربة الفساد في الأمن تطبيقا لبنود الدستور الجديد، والثاني الخروج من العمل الاجتماعي الموسمي والعادي إلى العمل الاجتماعي المؤسساتي عن طريق مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية لأسرة الأمن الوطني، تحت التوجيهات السامية لصاحب الجلالة.
وهنا لا بد أن أحيلكم على معطى أساسي وهو أن السيد المدير العام لا يتوانى في جزر كل من تبث في حقه أي خطأ غير مقبول، حيث يتم اللجوء إلى تطبيق إجراءات تستهدف مختلف العاملين في الشرطة من خلال إعفاءات وإحالات على التقاعد وتنقيلات، إذ لا يمكن تحسين صورة الأمن الوطني وضمان نجاعة أدائه، دون إرساء قواعد محاربة بعض الاختلالات اللصيقة بالجهاز مثل الرشوة والابتزاز وغيرها.
هناك من يعيب على بعض رجال الأمن أن ما يربطهم بالجهاز الذي ينتمون إليه لا يتعدى الزي والبطاقة المهنية، مستدلين على ذلك بحجة التخاذل في أداء واجبهم، هل توافق على هذا الرأي؟
سأنطلق هنا من تجربتي التي فاقت أكثر من سبع وعشرين سنة كإطار أمني، وأقر بأنه ليس هناك مهنة أشد صرامة من مهنة رجل الأمن. إذ أن تسجيل أي نوع من التقصير لدى أي رجل أمنيكون مآله العقاب دون تردد أو نقاش. ومع كل هذا، لا يمكننا أن نطالب رجل الأمن بما يفوق قدرته والإمكانيات المتوفرة لديه. فما يقوم به يوازي ما يستوجب أن يؤديه العشرات من زملائه. فلا فرق لديه بين النهار والليل، ويوصل الأول بالثاني في حالات كثيرة من أجل الترصد للعصابات في نقاط سوداء، معرضا حياته للخطر في سبيل سلامة المواطن. كما أته يتفانى في مطاردة الأضناء، وكم من مرة سمعنا اضطراره لاستخدام سلاحه الناري كدليل على المواقف الحرجة التي يصادفها. وأضيف بكونه يقوم بكل هذا على حساب راحته وعشه الأسري. وليتصور المرء إنسانا يعمل من العاشرة ليلا إلى الثامنة صباحا، ثم بعد غمضة عين وجيزة يلتحق بمقر عمله من جديد على الساعة الثانية بعد الزوال. رجال الأمن لدينا مهنيون و«قادين بشغلهم». ومن هذا المنبر أقول «اتركوا رجال الأمن يعملون في أمان». فالمشكل ليس في رجال الأمن ولكن في الإمكانيات.
يرى البعض أن جهاز الأمن تائه بين وضعية الأمس التي كان فيها رجال الأمن ينفذون فيها تعليمات ضرب أعداء النظام، وبين الوضع الحالي الذي يرتبط بإكراهين أساسيين، يتجلى الإكراه الأول في رغبة الدولة في تحقيق المصالحة الوطنية وطي صفحة سنوات الرصاص، فيما يرتبط الثاني بالالتزامات الحقوقية للمغرب دوليا، كيف تعلقون؟
من يدعي أن أدوار رجال الأمن غير واضحة، فعليه أن يثبت ذلك، فهو يراهن على السراب، لقد تغير المناخ السياسي بالمغرب بدرجة كبيرة، وقد تحدثت هيئة الإنصاف والمصالحة عن حكامة أمنية ووضعت لذلك توصيات، ورفع الدستور الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة إلى مرتبة مؤسسة دستورية، وتغيرت بعض مواد المسطرة الجنائية بما يلائم توجهات المغرب الحقوقية بناء على ما التزم به المغرب من اتفاقيات دولية ومجتمع مدني محلي يشتغل على مستوى الميدان، وقد كانت نتيجة كل هذه المؤشرات أن وجدنا برامج في المعهد الملكي للشرطة تستند على الحريات العامة ومواد حقوق الإنسان في صلب مادة التدريس مع نخبة من الأطر الوطنية التي لها من المعرفة القوية ما يختلف كلية عن التخرج من مدارس التكوين في الزمن السابق وجيل من الشباب المتدرب له من الدبلوماتوالدراسات العليا ما يجعل المغرب وهذه المؤسسة تسير بخطى ثابتة ورصينة من جيل إلى جيل إلى دولة الحق والقانون، وبحق أن هذا المعهد يعتبر صمام الأمان لكل رهانات المغرب القانونية والحقوقية، ولعل شراكة هذا المعهد مع المحيط الجامعي وخاصة مع وجود أساتذة جامعيين يساهمون في هذه المعرفة من خلال برامج التكوين القوية.
حسب ذات الملاحظين، ورغم كل ما ذكرتم فإن الاختبارات الميدانية في التعامل مع المواطنين والتصدي لعمليات الشغب، تظهر كأن هذا الجهاز يفتقد للتجربة؟
لقد وفر ظهير 23 فبراير 2010 الضمانات الكافية لرجل الأمن وأصبحت المديرية العامة للأمن الوطني طرفا في أي نزاع يكون ضحيته رجل الأمن، وهذا مكسب لرجال هذه المؤسسة من خلال هذا الظهير. إن إفرازات السياسات العمومية قد نتج عنها تزايد أعباء الأمن من أجل الحفاظ على النظام العام وجعله كامل الحركة من أجل تأمين كل ظاهرة قد تشوه السلم العام رغم الخصاص الذي يعانيه.
إن رجل الأمن ظل بثبات وصبر دائم الحضور ولعل المناسبة تجعلنا نقول أنه ليس من اللائق ولا حتى القانون يجيز أعمال الشغب ويمنح للبعض الفرصة من أجل تفريغ احتقانه الاجتماعي في وجه رجل الأمن ولعل أحداث مخيم «اكديم إيزيك» تبين بالواضح أن رجل القوة العمومية الآن قد أصبح مهددا أكثر مما مضى، وذلك عندما علمنا أن 11 من القوة العمومية قد تعرضوا للتقتيل دون سند آخلاقي ولا قانوني.
هل تعتقد أنه حان الوقت لتصحيح العبارة التي ظلت لصيقة برجل الأمن المغربي: واش كاين الدم؟
لابد من التذكير بأن رجل الأمن وبكل ما تحدثت عنه من قلة العدد وضعف الإمكانيات وكثرة ساعات العمل، فإنه لا يكلف فقط بمحاربة الجريمة، ولكن تجده في الملاعب والمستشفيات والمحاكم والمسارح وقاعات السينما و… وبالتالي، مهما يقال عنه فإن الميدان هو الحكم. وحتى إن لم يرد على تلك الاتهامات شفويا فإنه يدحضها فعليا. والأكثر من هذا، رجل الأمن المغربي أثبت كفاءته ليس داخل أرض الوطن فقط، ولكن خارجها أيضا. ومن خلال تجربتي الشخصية في آسيا والأدغال الإفريقية أثبت لك أن قواتنا تحظى باحترام بالغ خارج الحدود لما تبديه من بسالة وحزم عند أداء مهامها مهما كانت الظروف والعراقيل.
على مستوى الوضع الأمني بمدينة أكادير، كيف يمكنكم تقييم هذا الوضع؟
في الواقع إن الحديث عن الوضع الأمني لمدينة أكادير يفرض علي أولا أن أنبه إلى الخصوصية التي تتمتع بها هذه المدينة، فهي كما هو معلوم مدينة سياحية بامتياز، مما يعني أن الانتعاش السياحي بهذه المدينة مرتبط أشد الارتباط بنسبة تحقيق الاستقرار الأمني بها.
ومن هذا المنطلق، لن أكون مبالغا إن قلت أن والي أمن أكادير ومعه نائبه ورئيس المنطقة الإقليمية، قد استطاعوا بمهنية وكفاءة عالية أن يحسنوا إدارة الملف الأمني بهذه المدينة. في نظري لقد رزقت مدينة أكادير بمسؤولين أمنيين من طينة مصطفى إمنصار ومصطفى كمور، هذان الرجلان النزيهان يتمتعان في الواقع بسمعة أمنية ممتازة يستشهد بها القاصي والداني. والدليل على ذلك أن مدينة أكادير تعتبر من بين أهم المدن التي تعرف استتبابا كبيرا للأمن، وهو أمر لم يكن ليتحقق لولا تضافر عناصر أساسية منها النجاعة والكفاءة والحكامة على المستوى الأمني.