مجتمع

تعقيب على تصريحات الدكتور أحمد حرزني بخصوص الأمازيغية

أگلدون اذبكريم – ناشط أمازيغي وكاتب رأي

فوجئت كغيري من النشطاء الأمازيغ، والمهتمين بالشأن الأمازيغي بشكل عام، بمداخلة الدكتور أحمد حرزني (فضلت صفة الدكتور احتراما لمكانته العلمية ولشهادة الدكتوراه التي تحصل عليها من الولايات المتحدة الامريكية منذ ربع قرن) مؤخرا بمقر المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ( IRCAM ) بمناسبة الاحتفاء بالذكرى 17 لخطاب أجدير تحت عنوان “إعمال ترسيم الأمازيغية وآفاق مأسستها”.
مداخلة وصلتنا منها بعض المواقف، التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكتنفها الغموض أو الالتباس. مواقف جريئة وصريحة تعكس نظرة ومواقف الدكتور أحمد حرزني تجاه الأمازيغية “لغته الأم”، وتعكس كذلك مكانة الأمازيغية بمخيلة الدكتور بحيث تشغل حيزا مكانيا واسعا فيها رغم تحفظه الظاهر كل الوقت. هذا التحفظ المبني على مبدأ “التقية” السياسية والأيديولوجية، لاعتبارات المناصب الرسمية التي تقلدها ويتقلدها لغاية كتابة هذه الأسطر .

وقبل تحليل تفاصيل تصريحات الدكتور أحمد حرزني والمغالطات التي شابتها، يتوجب أولا أن ننوه بحكمة عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الأستاذ أحمد بوكوس الذي لم يمنح الفرصة لأي سجال مرتبك بين النشطاء الأمازيغ الحاضرين وبين الدكتور أحمد حرزني. وهذا ينسجم مع مواقف الحركة الأمازيغية وخطابها المؤسس على إيلاء العناية للمعطيات العلمية الواضحة في النقاشات لتأكيد الوقائع والبرهنة على مدى صحتها من عدمها، وهذا ما لم يتوفر مناخه في سياق تصريحات الدكتور أحمد حرزني.

وأول مغالطة استعملها الدكتور أحمد حرزني في تصريحه، هي عندما استبق الحديث بتوظيف مغالطة (أنا أمازيغي أصيل)، وهي مغالطة عدم الترابط المنطقي بين النتائج والمقدمات، علما أن شروط الحجة الصحيحة هي: صحة المقدمات وصحة الترابط المنطقي بين النتائج والمقدمات.

ومقدمة حجة الدكتور قد تبدو صحيحة، من الوهلة الأولى، فالأمازيغي أصيل بطبعه، غير أنه لا ترابط منطقيا بين المقدمة والنتيجة التي تؤكد أن دكتورنا لا يمثل الأمازيغية ولا علاقة له بها إلا بيولوجيا، وكذلك لا يربطه بها إلا لسان مُدرج مثقل بعبق الأمازيغية. فخصوم الأمازيغية من الأمازيغ أنفسهم غالبا مايعرفون أنفسهم على أنهم أمازيغ (أُصلاء)، وبما أن الأمازيغي أصيل، فإنهم كذلك أصلاء، وبذلك يوظفون هنا مغالطة أخرى وهي مغالطة التماثل التي تتخلص في أنه إذا أعطينا صفة الأصالة للدكتور فقط لأنه أمازيغي، فهذه مغالطة منطقية لأنه ليس شرطا أن يكون الأمازيغ كلهم أصلاء ..

وبعد التوسل بالمرجعية الأمازيغية يستفيض الدكتور المختص في علم الاجتماع والدارس للأنثروبولوجيا، أي علوم الإنسان وسلوك البشر في مغالطاته، ويُفعّل “لكن” الاستدراكية ليقول بأنه رغم كونه أمازيغيا أصيلا “لكنه” ضد ترسيم اللغة الأمازيغية، لأن المغرب حسب تعبيره بلد فقير ولا يمكنه أن يتحمل التكلفة المالية للغتين رسميتين. وهنا وجب التذكير بأن الدكتور كان عضوا باللجنة الاستشارية لمراجعة دستور 2011 والتي كان قد قام بتنصيبها الملك محمد السادس آنذاك. هذا الدستور نفسه الذي كانت من نتائجه دسترة اللغة الأمازيغية وجعلها لغة رسمية. ومن هنا ندرك التناقض الصارخ في مواقف الدكتور أو ربما “تقيته” آنذاك. بل بنصبه العداء للأمازيغية قد تخندق في خندق أعداء الوطن وتخندق ضد المكتسبات الديمقراطية عندما يعارض أو يتأفف من توجهات وتوجيهات عاهل البلاد. فترسيم الأمازيغية تعزيز للديمقراطية في هذا البلد، هذه الديمقراطية نفسها التي يدافع عنها الدكتور. ولكنه في هذا الموضع أصبح يدافع فقط عن ديمقراطية انتقائية مبنية على الأهواء والمصالح .

وعندما يتحدث الدكتور حول كون المغرب بلدا فقيرا ولا يمكن له أن يعتمد لغتين رسميتين نظرا للتكلفة المالية الكبيرة لهذه العملية، نقول له أنه ناسى التكلفة المالية الكبيرة لهيئة الانصاف والمصالحة والتي استفاد منها هو شخصيا لكونه كان معتقلا سياسيا سابقا. فلماذا لم يفكر ساعتها أننا بلد فقير وقام بالتنازل عن التعويض المادي الضخم خصوصا وأنه اعترف لاحقا بأنه أخطأ بمعارضة نظام الحسن الثاني؟ والمارق شرعا وحسب القوانين الوضعية كذلك لا حقوق له !! فلماذا يقبل الدكتور تعويضا ماليا كبيرا ويعتبره حقا من حقوقه وينكر في نفس الآن ذلك على الشعب المغربي الذي يريد حقا من حقوقه الهوياتية العادية جدا والمتمثلة في ترسيم اللغة الأمازيغية؟ أين “جبر الضرر الجماعي وإنفراد المغرب بذلك” والذي كان يصدح به الدكتور أيام رئاسته للمجلس الاستشاري لحقوق الانسان ؟!! أليس إيلاء العناية لهوية شعب بأكمله جبرا للضرر المعنوي في حد ذاته وتقوية المكتسبات الديمقراطية في البلد ؟!! أليست الأنشطة التي يحضرها الدكتور بصفته الرسمية كسفير متجول بسفارات وقنصليات المملكة ببلدان العالم نوع من الترف الذي يرهق مالية المملكة ” الفقيرة”؟!!! هاته الأنشطة التي لا تنفع المواطن العادي البسيط في أي شيء. بل تسرق له ملايين الدراهم من حقه بداعي “نشر صورة جميلة حول المغرب “، والدكتور متواجد في أفخم الفنادق العالمية فرح بما أتاه الله من فضله على حساب ميزانية بلد ” فقير “.

الدكتور الذي غابت في سياق مداخلته تفاصيل ومعطيات متعددة وكثيرة بفعل العمى الأيديولوجي وربما عمى الألوان ( الأصفر..الاخضر…الأزرق)، لديه تكوين علمي محترم بالولايات المتحدة الأمريكية وبالمغرب، فكيف يدعو لإزاحة حرف التيفيناغ وهو المختص في تاريخ الشعوب وسلوكياتها؟ وهو نفسه من يدعو للانفتاح على الثقافات الأخرى من أجل التلاقح الحضاري؟ وهو نفسه من يربط اللغة بالوطن؟ فقد سبق للدكتور أن بيّن أهمية اللغة بالنسبة للوطن، وطبعا أهمية اللغة العربية على حساب اللغة الأمازيغية التي اعتبرها لغة أجنبية، هي ولغات اخرى أجنبية في مقال له منذ سنوات بعنوان (المواطنة: أبعادها التاريخية وواقعها الراهن). حيث قال بالحرف الواحد: “لازلنا لا نعلم علم اليقين اذا كانت اللغة العربية فعلا لغتنا الرسمية، وناشئتنا يتربى جزء منهم في لغة أجنبية وأكثر فأكثر في لغات أجنبية، بينما السواد الأعظم منها يفتقر إلى كل أمن لغوي، وهذا لا تخفى خطورته البالغة، فمن لا لغة له لا وطن له ..”.

الدكتور حرزني الذي تحجج بالفقر لمعاداة الأمازيغية، مع أن أيديولوجيته تفضحه حين يحاول صناعة فكرة مخيفة بأن الأمازيغية ستكون بديلة للغة العربية. وهذا طرح مستحيل التطبيق في المغرب ولا يمكن تقبله حتى بشكل نظري لاعتبارات عدة، من بينها التنوع الثقافي واللغوي والمكانة الدستورية للغة العربية في المغرب. انها ببساطة مغالطة رجل القش، وهي المغالطة القائمة على أساس تحريف حجة الخصم التي يدافع بها عن وجهة نظره من خلال صناعة فكرة مخيفة كما قلنا مشابهة للفكرة المطروحة من قبل الخصم. مثال :
المقابل الأول: برأيي يجب زيادة ميزانية وزارة الصحة..
المقابل الثاني: وهل تريد انقاص ميزانية وزارة الدفاع..

واتذكر سنة 2007 لما استقبل صحافي الجزيرة أحمد منصور الدكتور أحمد حرزني من خلال برنامجه “بلا حدود”، في كل سؤال حساس يطرحه أحمد منصور بخصوص الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان يرد عليه الدكتور بلغة خشبية: “نها مجرد ادعاءات، أين المعطيات والارقام..؟ أنا أؤمن فقط بالمعطيات والأرقام”. وها نحن بدورنا نطالب الدكتور صاحب المعطيات والأرقام أن يمدنا بنفس المعطيات والأرقام حول ما قاله بالنسبة للأمازيغية وحرف التيفيناغ. وهذا ما طالب به الأستاذ أحمد عصيد عندما صرح بأن “حرزني يتحدث دون معطيات، فهو لا يملك أية تقارير أو دراسات تساند ما يطرحه. وكون العديد من المتحدثين عن الأمازيغية يتكلمون عنها عبر مزاجهم الفردي، ولا يستندون إلى أية أطروحات علمية وأكاديمية”.

وأظن أن المسألة التي لا زالت لم تجد طريقها إلى ذهن الدكتور أحمد حرزني بشكلها السليم والصحيح، هي أن عصر الاصطفافات الإيدولوجية ومصادرة حق شعوب بعينها قد ولى وحان الوقت لخدمة الوطن والمصالح العليا للوطن وللمغاربة، كل من منصبه وموقعه، وليس عبر السياحة الرسمية على ظهر الشعب المغربي “الفقير”.

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى