مجتمع

نفاق : مغاربة يهرعون إلى أداء صلاة التراويح ويتسابقون على حجز الموائد في مقاهي الشيشة

ضحى زين الدين

“تنهي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى علم المواطنين، أنها راقبت هلال شهر رمضان  فثبتت لديها رؤية الهلال ثبوتا شرعيا. وعليه فإن فاتح شهر رمضان  هو يوم .
ما أن يتلى البلاغ في القنوات العمومية، ويصدر في وكالات الأنباء، وتترجمه نوافير المزمرين، حتى تنساب عبارات مباركة الشهر الفضيل، في الشوارع والأزقة وعبر الرسائل النصية القصيرة، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويكشف الوجه المؤمن عن نوره، فلرمضان أهمية كبيرة عند المغاربة، وهذا ما عكسته آخر دراسة أجراها المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة الذي أشار إلى تصدر المغاربة لائحة الشعوب المسلمة التي تولي أهمية كبرى لرمضان والصوم، ب98 في المائة.
تسبق كل ذلك طقوس الاستعداد للعبادات، والبعض لا يرتاح إلا باقتناء جلباب جديد، وتخرج التسابيح من الرفوف، وتنفض زرابي الصلاة من الغبار، فهو شهر الهداية بكل تأكيد، غير أن كل ذلك وإن كان جميلا، لا يمثل إلا النصف السليم من وجه بعض المغاربة، ولا يظهر النصف الآخر إلا تحت أضواء الملاهي الليلية، وخيم “ليالي رمضان”، فيظهر الجزء المحترق منه، وكل ما خلفته نيران المجون عليه. وجه يقبل جهة أضواء المطاعم والمقاهي التي تتنافس على إحياء ليالي رمضان، وتؤثثها بصدور العاهرات وأرجل النرجيلات، وهلوسات القرقوبي، وعربدة المعجون وقوة الكوكايين واستراحة الهيروين.
يطرح السؤال عاريا على مجموعة من العابرين ، فتتوجه إجاباتهم إلى كلمة واحدة “النفاق”، “النفاق الاجتماعي”، “أنا شخصيا منافق، تنصلي التراويح، ولكن غير تنسالي تنمشي مباشرة نسهر مع صحابي في شي قهوة ديال الشطيح والرديح”، يقول سعيد، مستخدم في مركز اتصال، قبل أن يضيف أنه غالبا ما يظهر النفاق الاجتماعي في أمور الدين، “قد يكون الشخص غير منافق في حياته اليومية، ولكن عند مسألة الدين، فالأمر معقد جدا، تحتاج إلى لحظات تتوجه فيها إلى الله سبحانه وتعالى، وهناك لحظات يجب أن ترفه فيها عن نفسك من ضغط العمل، وتعب الصيام والمسؤوليات وغيرها، ولكنك في قرارة نفســك تعرف أن هذا لا يجتمع بذاك”. يظهر سعيــد من خلال شهادته أنه يقــف في مفترق طرق، وبعدم قناعته بما يقوم به، “فــإما غــادي تكون قسايري، ولا كتعبد الله بطريقة على حقها وطريقها”.
فيمــا لا يرى اسماعيل في ذلك نفـاقا، بقــدر ما هو حــق في الترفيه عن النفس، “إذا لم أسهــر مــع أصدقــائي، في المقهــى أو فــي شقــة، لنرفه عن أنفسنــا لا يطيب لي رمضــان، فهــو بالنسبة إلي مرتبط بالعبادات وبالسهـــر أيضا، وطبعا لن تكون السهـرة متكــاملة دون وجــود بنات، والشيشة أيضا ضرورية، فهي أصبحــت عــادة مرتبطــــة بالنسبة إلي بـرمضــان وبالصيف أيضا، وهذه خدمة متوفرة الآن في كل مكــان”. ويختم اسماعيل شهادته بالقول “شويا لربي وشويا لعبده”.
لا يحتمل عبد العزيز تأنيب الضمير، لذلك فالمسـألة بالنسبة إليه إما عبادة بكل ما تحمله من شروط، وإما سهر، “في رمضان الماضي، لم أصل، ولم تطأ رجلي أي مسجد، وكنت بعد الإفطــار أتــابع بــرامــج التلفزيون مع أطفالي، وحين تعود زوجتي وأمي من المسجد، أتوجه مباشرة للسهــر، ولا أعود إلا قبل الفجر بساعة، أو أقــل، أما هــذه السنة، فمن البيت إلى التــراويح، وراء الإمام إيــراوي، وبعــدها أتوجه إلى بيتي، وإذا أردت الخروج للتـــرفيه عن نفسي، أخرج مع أبنـــائي كما ترين الآن إلى الشــــاطئ لألاعبهــم، ولكــن النفــاق مــوجــود عند كــل المغــاربة، بل كل المسلمين، الناس تبحث دائما عــن سبب لتــرفــه عن نفسهــا حتى لو كانـــوا مقتنعين أنه حرام”. يمسك عبد العــزيــز يــد صغيــره بقــــوة، قبل أن يحمله بين ذراعيه، “ما كــاين ما أحسن من هذه اللحظة، العام اللي فات ما برحت من السهر غير المرض والمشاكل في العمل”.
لا يقترن النفاق الاجتماعي برمضان فحسب، بل هو سمة وصمت المجتمع المغــربي، خــاصة مع التحولات الاجتمــاعية التي تجهز على بعض عــادات المغــاربة، فتتــركهم فــــي منطـقة الحيرة، يعبرون سرا وعلانية عن رفض سلوك معين، لكنهم لا يتوانون عن التلبس به.

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى