مجتمع

مرصد مغربي يدق ناقوس الخطر حول تعاطي الشباب للمخدرات

silisyon

حقائق24- متابعة

محمد الراجي لهيسبريس

كشف المرصد الوطني للمخدرات والإدمان، في تقريره الصادر السنة الماضية حول استعمال المخدرات في المغرب، أنَّ ما لا يقلّ عن 800 ألف مغربي يتعاطون المخدّرات؛ أيْ ما يمثل ما بين 4 إلى 5 في المائة من إجماليي عدد سكّان المغرب.

انتشارُ تعاطي المخدرات في المغرب أكدته، أيضا، أرقام كشفت عنها المصالح الأمنية شهر رمضان الماضي؛ فقد تصدّر الموقوفون في القضايا المرتبطة بالمخدرات، بيْعا واستعمالا، لائحة الأشخاص الذين أوقفتهم المصالح الأمنية خلال النصف الأوّل من رمضان. ففي حين جرى إيقاف أزيد من 14 ألف شخص في جرائم مختلفة، من بينهم 8872 شخصا في حالة تلبُّس، بلغ عدد الموقوفين في قضايا المخدّرات 4127 موقوفا.

هذه الأرقام تثير قلقَ الفاعلين المدنيين المشتغلين في مجال التوعية بمخاطر المخدرات والعمل على محاربتها.

أيها الآباء.. راقِبوا أبناءكم

إذا كانَ انتشار المخدّرات يشكّل خطرا على المجتمع، فإنّ الخطورة تزداد حينَ يتعاطى المراهقون والشباب في مقتبل العمر لهذه السموم المدمّرة، خاصّة أنها أصبحتْ في متناولهم، إذْ تُباعُ في الأحياء، وحتّى بجوار المؤسسات التعليمية، وداخلها أحيانا.

حسب أمينة باجي، رئيسة الفدرالية المغربية للوقاية من التدخين والمخدرات، فإن أسباب تعاطي المراهقين والشباب للمخدرات في المغرب متنوّعة ومتعددة؛ فهي تختلف حسب الفئة العمرية، وحسب الوسط الاجتماعي الذي ينتمي إليه المستهلك.

توضح رئيسة الهيئة، التي تأسستْ مؤخّرا وتشتغل بالخصوص على محاربة المخدرات وسط تلاميذ المؤسسات التعليمية، أن التلاميذ المنتمين إلى الأحياء التي تسكنها الطبقة المتوسطة والفقيرة يتعاطون المخدّرات بسبب الهشاشة الاجتماعية والفقر والتهميش؛ فـ”حينَ لا تُوفّر للمراهق/التلميذ حاجياته، يشعر بالنقص، ويجدُ أمامه المخدّرات كبديل”، تقول المتحدثة.

أشارت باجي إلى أنَّ نسبة كبيرة من الهدر المدرسي في المغرب سببُها تعاطي التلاميذ للمخدّرات، خاصّة أنَّ المدرسة تُعتبر بالنسبة إلى التلميذ فضاء غير محبوب لغياب وسائل الترفيه، والتجاوب بين الأساتذة والتلاميذ.

الفقر والهشاشة الاجتماعية والمشاكل داخلَ الأسر ليست وحْدها أسباب سقوط المراهقين والشباب في شَرَك إدمان المخدرات؛ ذلك أنَّ هذه الآفة لم يسلم منها حتى أبناء الأحياء “الراقية”. ويرجع سبب ذلك، بالأساس، إلى عدم مراقبة الآباء والأمهات لأبنائهم وبناتهم.

وتوضّح رئيسة الفدرالية المغربية للوقاية من التدخين والمخدّرات أنَّ كثيرا من الآباء والأمهات ينشغلون عن أبنائهم، بسبب مسؤولياتهم الكثيرة، ويتركون الحرية لهم الحرّية، دون أن تكون هناك قنوات للتواصل، وغياب المواكبة، وطُغيان الفردانية داخل البيت؛ وهو ما يجعل الأبناء، ذكورا وإناثا، فريسة سهلة لمروجي المخدرات.

وانطلاقا من تجربتها في التعامل مع التلاميذ ضحايا المخدرات، أكدت باجي أنَّ هناك تلاميذ ينقطعون عن الدراسة لعدّة أيام، دونَ أن يكون آباؤهم على علم بذلك.

ومن ثم، فإنَّ الآباء والأمهات يتحمّلون قسطا من المسؤولية في إدمان أبنائهم على المخدرات، بسبب عدم المراقبة، وانتفاء قنوات التواصل والحوار والاستماع، حسب الفاعلة الجمعوية ذاتها.

وتُعتبر “الكالا” و”الجّوانات” و”البولا الحمْرا”، وهو عبارة عن أقراص مهلوسة، أكثرَ أنواع المخدّرات التي يتعاطاها التلاميذ المغاربة المدمنون على المخدرات، حسب إفادة باجي، إضافة إلى مخدّر “المعجون”، موضحة أنّ هذه الأخير يمثّل خطورة كبيرة على صحّة متعاطيه، لكوْنه يُخلط بموادَّ سامّة وعقاقير الأمراض العقلية؛ وهو ما يُعرّضهم لتسمّمات خطرة أو يجعلهم “سجناء” مستشفى الأمراض العقلية.

مسؤولية المدرسة

وإذا كانت الأسرة تتحمّل نصيبا من المسؤولية في تعاطي التلاميذ للمخدرات، فإنَّ المنظومة التربوية المغربية أيضا تتحمّل قسطا من المسؤولية؛ “لأنّ التلميذ حينَ يعاني من مشكل ما ينبغي الاستماع إليه، وهذا ما لا يتوفّر في كثير من المؤسسات التعليمية المغربية”، تقول رئيسة الفدرالية المغربية للوقاية من التدخين والمخدّرات.

وتتوفر الفدرالية على 12 مركزا للإنصات إلى التلاميذ في مدينة الرباط، تُقام فيها، أيضا، تكوينات للأساتذة المشرفين على جلسات الإنصات، من لدن مختصّين، ليتعرّفوا على طرائق تنظيم جلسات إنصات جماعية للتلاميذ، ومعرفة كيفية إدارة الحوار بينهم. وأضحت رئيسة الفدرالية أن الهيئة تعمل، بعد عمليّة البوح، على تصنيف التلاميذ المحتاجين إلى مساعدة، كلّ حسب حالته.

في هذا السياق، شدّدت رئيسة الفدرالية على أهمّية المساعدة الاجتماعية للتلاميذ، خاصّة في سنّ المراهقة، التي تضطرب فيها نفسيتهم، مشيرة إلى أنّ هناك تلاميذ يعانون أصلا من اضطرابات عقلية ويتعاطون المخدّرات؛ وهو ما يجعل أمرَ علاجهم صعبا جدّا، حتى بعد إحالته إلى المستشفى، نظرا لحاجتهم إلى العلاج من الاضطرابات العقلية، ومن الإدمان من المخدّرات في آن.

باجي أكّدتْ أنّ من بين أهمّ الأمور التي ينبغي على الأساتذة أن يهتموا بها هي الانتباه إلى حالات التلاميذ الذين يعانون من اضطرابات؛ “فحين نكتشف المرض مبكرا يعالَج، ولكن إذا تأخر وانضاف إليه مشكل المخدرات يصير عصيا على العلاج، وحتى إذا خضع للعلاج يعود إلى تناول المخدرات”، تقول المتحدثة.

المقاربة الأمنية ضرورية.. ولكن

تنهجُ السلطات المغربية، بالأساس، المقاربة الأمنية، لمواجهة انتشار المخدّرات. وحسب رئيسة الفدرالية المغربية للوقاية من التدخين والمخدرات، فإن هذه المقاربة تُعتبر مهمّة جدّا، لكونها تساعد على حماية محيط المؤسسات التعليمية؛ لكنّها تؤكّد أنّ التعاطي الأمني وحده غير كاف للقضاء على هذه الآفة.

باجي أكّدتْ أنَّ الشرطة تتوفر على عناصر مكوّنة في هذا المجال، لها قدرة على التواصل الجيّد مع التلاميذ، ولكنّ تجّار المخدّرات يطوّرون طرقَ وحيَل الإفلات؛ ذلكَ أنّهم أصبحوا يستغلّون التلاميذ، إذْ يعمدون إلى تقديم المخدّرات لهم، قصد استعمالها. وبعدَ أن يسقطوا في شرَك الإدمان، يستغلّونهم لترويجها وسطَ زملائهم. وهكذا، تقتحمُ المخدّرات المؤسسات التعليمية من أبوابها.

وإذا كانت المقاربة الأمنية تُثمر نتائج، فإنّ باجي ترى أنّ ثمّة إجراءات أخرى ينبغي على السلطات اتخاذَها للقضاء على آفة المخدّرات وسط التلاميذ؛ ومنْها تعميم مراكز الإنصات، وتكثيف الأنشطة الترفيهية بخلق نوادي المسرح والسينما والشطرنج.. وغيرها، “فيحن نُدمج التلميذ في مثل هذه النوادي يجد فيها ذاته، وبالتالي نشغله عن التفكير في تعاطي المخدرات”.

احذروا من الانتقام

قدْ لا يكفي تحمّل الآباء والأمهات مسؤوليتهم تجاهَ أبنائهم وبناتهم، وقد لا تكفي مراقبتهم ومواكبتهم لتجنّب الوقوع ضحيّة إدمان المخدّرات، إذْ إنَّ الإدمانَ قدْ يأتي التلميذَ أو التلميذة من حيث لا يحتسب، حيث يعمد بعض التلاميذ إلى وضع قطع من المخدّرات في كوب عصير أو علبة “ياوروت” للإيقاع بزملائهم.

رئيسة الفدرالية المغربية للوقاية من التدخين والمخدرات أوضحتْ أنَّ هذه الحيلة اكتُشفتْ مؤخّرا، من خلال الاستماع إلى التلاميذ ضحايا إدمان المخدّرات، موضحة أنَّ هناك تلاميذ من المتعاطين للمخدرات يعملون على الانتقام من زملائهم المواظبين على دراستهم، خاصّة في صفوف الإناث، حيث ينجرّون إلى مستنقع الإدمان دون إرادتهم، مضيفة: “هناك روح انتقاميّة لدى بعض المدمنين، وهذه مسألة خطرة ينبغي الانتباه إليها”.

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى