الرأي

بورتريه: تحليل نفسي لبهلوانيات بنكيران

البهلوان شخصية جميلة هدفها هو خلق الإبتسامة على الشفاه ومحاولة إسعاد الآخرين. هو كائن فرجوي بإمتياز؛ في لباسه المزركش ووجه المصبوغ وحركاته الغريبة. لكن في بعض الأحيان يصاب الناس ولسوء حظهم ببهلوانات” معكوسة “؛ تسعى إلى تعميم التعاسة وتحب نشر البؤس. لها كفايات الفرجة وقدرات البهرجة، لكن بغاية الإتعاس. صعود نجوميتها، غالبا، ما تكون في فترة الأزمات والبؤس لتكون جوابا خاطئا على أسئلة إشكالية عميقة.

عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المغربية نموذج جيد في  هذا السياق؛ فهو مثال للمهرج المُبكي في زمن التعاسة المغربي.

تناقضاته وتدخلاته هي عبارة عن قطع الثوب البالية التي تُكَوِّنُ لباس كل بهلوان، ووجهه المصبوغ بلحية أنيقة (بعد إستوزاره) تجمع بين تدين مصطنع، وكثيرا من البراغماتية غير الأخلاقية، وهواية حب التنكر وارتداء الأقنعة. أقوى ما يؤثث وجهه هو لسانه؛ فهو سلاحه الذي يسبق عقله، ليصبح الأداة المفضلة لصنع الفرجة عبر قتل كل مظهر للعقل والوعي؛ فالمتناقضات والزلات والتفاهات، لازمات بنكيرانية بإمتياز، فلسان بنكيران سبقه في الولادة!

البساطة، وهي بالمناسبة نتيجة ضحالة فائقة في السياسة والفكر، بالنسبة لبهلواننا، هي وسيلة لتسويق رديء لشعبوية عاجزة عن إخفاء حلم منذ الطفولة بتنكر للفقراء،  وعداوة داخلية مرضية اتجاههم. وهذا مايظهر في قراراته الشجاعة في المس بقوت البؤساء والبسطاء: الزيادة في أثمان السلع ومس القدرة الشرائية للفقراء–قرار الإقتطاع من أجور الموظفين – الحملة القمعية الشرسة على المعطلين ورفضه للضريبة على الثروة، الامتيازات الضريبية للباطرونا…

البهلوانية عند بنكيران طريقة وجود، هي نوع من الاستعراضية الفجة (exhibitionisme) والتي تستعمل لاشعوريا كميكانيزم نفسي دفاعي لتغطية إحساس بالعجز اتجاه وضعية يعيشها ولم يستطع أن يتخلص من عقدة النقص أتجاهها.

حركاته الغريبة وشطحاته العصبية، التي ظهرت في أكثر من مناسبة، هي عوارض هستيرية لحب الظهور والإستعراض واستغلال كل فرصة لإبراز الذات ولو بالتهريج. قفشاته وانفعالاته وحركاته هي تمظهرات للوجود، لا تكتمل شخصية بنكيران إلا بها (تصوروا بنكيران بدون هذه الاستعراضات سيتحول حتما الى عدم).

حسن طويل

حسن طويل

الأنا الهشة والممزقة داخليا، تغطي ضعفها بغطاء من الماكياج الفاقع الألوان، لتعلن وجودها بصخب وهرج وتستعرض بشاعة ذوقها وضحالة كنهها بالعدوانية الزائدة وبالقهقهة الغبية، وإستعراض رديء في كل مناسبة: سلوكه مع الصحافة أثناء إستقبال أحد الضيوف، وتصرفه مع الملك أثناء وداعه في إحدى المرات، وتدخلاته في البرلمان سواء في هذه الفترة أو في فترة المعارضة، وسلوكاته في الحوارات التلفزية…

لبنكيران كفاية “الانبطاح الاستباقي”، إذ له قدرة غريبة على النكوص في مواجهة التهديدات التي يتخيلها تحيط به، وهو مستعد لفعل أي شيء يرضي به أسياده للحفاظ على المنصب الذي لم يصدق لحد الآن أنه فيه.

تماهيه مع مختلف الوضعيات جعله إنسانا ذائبا، حيث يتحول في كل مرحلة أو مكان، من النقيض إلى النقيض، يذكرنا في هذا الصدد بشخصية zelig في فيلم للمخرج woody allen ، لكن الخيط الواصل بين الحالات يظل بداوته الفكرية والسلوكية والتي تتغذى من فكره الأصولي الإخواني الوهابي، والانتهازية الفجة التي تتميز بها جماعته السياسية.

هو بهلوان ساحر رديء؛ له القدرة على تحويل الأزمات السوداء إلى مشاهد تهريج مضحكة للمحيطين به في سيركه، لكنها محزنة ومبكية لشعب يعاني البؤس والهوان.

له قدرة عجيبة على مزج المتناقضات وبدون حرج؛ فهو العدو اللذوذ لحركة عشرين فبراير، في نفس الوقت، الذي يلوح بها كورقة إبتزاز سياسي لخدمة مصالحه. هو صاحب الوعود التي ينطق بها  فقط، لكي يتخلى عنها، وهو المدعي المحارب “للتماسيح والعفاريت” وفي نفس الوقت العبد الأمين لخالقها.

هو مجموعة متناقضات ساكنة مرتاحة رامية بكل منطق عقلي أو أخلاقي. بهلوان يتقن فن الوقاحة في مواجهة معارضيه والعبودية لأسياده، مصاب بمازوشية غير معقولة في مواجهة مالكي ثروات البلاد، وسادية وحشية مقابل بؤسائها. هو مهرج مبدع، فقد حول ربطة عنقه إلى حكاية تتناقلها صحف الرداءة، وجعل من خرجاته البهلوانية نقاشا عموميا يغطي على بؤس يعرفه المغرب على جميع المستويات، وهجوم كاسح على فتات مكتسبات.

بنكيران هو أحد أهم أبطال السيرك السياسي المغربي، وأحد الكراكيز التي تنفذ أجندة المخزن بكل حرفية ممزوجة بتهريج في مشهد سوريالي يعيشه المغاربة بمرارة وإحساس شديد بالغثيان، في غياب كل أمل بالتغيير في المستقبل العاجل.

النخب السياسية الضحلة، هي منتوج أصلي لمواطنيها عبر تاريخ طويل من التمييع والرداءة السياسية التي تمارسها السلطة الحاكمة بهدف الحفاظ على مصالحها. وهو ما أصبح ينىء بفراغ سياسي خطير سوف تملأه قوى تتقن فن الاقتيات على الجثث المتعفنة، وتحول الأوطان إلى ساحة خراب.

فالتهريج السياسي ورداءة النخب، أصبحا يشكلان خطرا وجوديا على الدول الحديثة، خاصة في المرحلة الراهنة التي تفرض قوى سياسية قوية ونخبا مبدعة في سبيل دمقرطة المجتمعات وتنميتها وتطورها .

المهرجون يصلحون للفرجة لكن حتما لايصلحون لتدبير الأوطان.

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى