الرأي

أكادير: ماذا حدث للمجتمع المدني بمدينة القليعة ؟

أشرف كانسي – حقائق24

كثيرة هي الآمال التي يعلقها شعب كل دولة على مجتمعه المدني من تأطير وتثقيف وتمثيلية بناءة تستند إلى ما هو إنساني محض وتطوعي تشاركي صرف، بعيدا عن كل ماهو إيديولوجي وكل مستنقع سياسي يضفي الإنتهازية والأنانية والتعصب على المبادئ النبيلة المؤسٍسة لكل فعل جمعوي، وبالمقابل كثيرة هي المظاهر الشاذة والعشوائية التي تختبئ خلف هذا الفعل لتسجيل أهداف شخصية لن يغفر ولن يرحم التاريخ أصحابها استنادا إلى مقولة أحد الفلاسفة الكبار من اليونان عندما قال ” التاريخ لا يرحم، يبين كل إنسان على حقيقته ”.

من هنا جاءت فكرة كتابة هذه الأسطر التي أرسلها لذوي العقول الكبيرة وليس لأصحاب الأذهان الصغيرة… في مدينتنا الفاضلة الذي تعرف في الآونة الأخيرة تغييرا على مستويات عدة وركودا على مستويات أخرى متعلقة أساسا بالمجال الجمعوي الذي يعرف طفرة كبيرة من حيث الكم وسقوطا من حيث الكيف، مثل السقوط الذي وصفه اسحاق نيوتن صاحب نظرية الجاذبية عندما بين بالملموس أن الأجسام عندما تحتك بالفراغ تسقط سقوطا حرا، هذا ماحدث بالضبط لكم هائل من الجمعيات التي أسست في الآونة الأخيرة في مجالات كثيرة ماهو مرتبط بالرياضة والثقافة والفن والبيئة والعمل الإجتماعي…، والغريب في الأمر أن هذه المعادلة الغريبة تُعطي في تحليلها مجموعة فارغة من حيث المردودية ومن حيث النتائج والثمار التي لطالما انتظرها المواطن البسيط من جمعية مازالت غارقة في سباتها فانطبق عليها مقولة الشاعر ” ناموا ولا تستفيقوا فما فاز إلا النوام ” هذه العبارة استقبلتها نخبتنا العزيزة بصدر رحب، فمنهم من نام غيبوبته ومنهم لا زال جاهلا حتى بتعريف الجمعية والقوانين المؤسسة لها.

عندما نطرح سؤال (ما الذي حدث) يحيلنا مباشرة إلى تشخيص يعتمد على مقارنة بين الماضي والحاضر، ليس بهدف القذف أو التقليل من إطار جمعوي ما ولكن ببساطة لمعرفة مكامن الخلل واستشراق المستقبل القريب. في الماضي، جمعيات قليلة بالقليعة هي المكون الأساسي للمجتمع المدني وأنشطتها وحيويتها يُضرب لها ألف حساب وتلقى كل استحسان وتجاوب من طرف الساكنة، جمعيات همها الوحيد خلق فضاء جمعوي يحقق شيئا من الإرتياح في نفوس المواطنين إلى درجة أن هذه الدينامية خلقت نوعا من التنافس الشديد بين الجمعيات في الأنشطة والمبادرات التي تصب كلها في مصلحة الساكنة.

وبهدف تشخيص الحاضر، استطلعت آراء بعض المواطنون وسألتهم سؤالا بريئا ” ما رأيكم في جمعيات القليعة؟ ” والجواب كان رصاصة رحمة في الصورة التي لطالما سكنت في ذهني لسنوات كثيرة، صورة أفلاطونية مثالية عن جمعياتنا الموقرة، فمن المواطنين من قال ” آشناهي الجمعية ؟ ” ومنه من قال ” تنعرف هاد الساعة غر جمعيات الماء ليتنخلص كل شهر وجمعية الآباء ليخلصت ولدي مع الدخول المدرسي ” وآخر قال ” تنعرف فيهم كثار وحد الساعة مشفنا والو ” وغالبيتهم ذهبو بعيدا في وصف الجمعية قائلا ” واش ديال البلدية ولا ديال المعارضة ؟ ” والمضحك في الأمر أن نادلة في احدى المقاهي سألتها نفس السؤال فأجابت ” واش كتقصد دوك ليتيتجمعو عليا هنا على براد أتاي ” .

الصورة التي نقلتها إليكم تعبر عن نفسها ومن له المصداقية في تقييم أي عمل هو الرأي العام الذي بتلك الآراء الذي استقيتها يظهر جليا أنه بعيد كل البعد عن اهتمام جمعياتنا لكن وللتاريخ لا ننسى وجود إطارات جمعوية تحاول رغم إمكانياتها المتواضعة إيصال رسالتها للمحيط الذي نحن بصدد دراسته الآن رغم كونه هشا وأنتم تعرفون التفاصيل، جمعيات تناضل بالغالي والنفيس من أجل خلق بسمة في وجوه أطفال لم تنصفهم جغرافية المكان ولا حظ جاء بهم من بيئة جافة من كل المستويات، فوجدوا في الجمعيات متنفسا وحضنا دافئا يحتضن بسمتهم ويشجع مواهبهم وإبداعاتهم، وجمعيات أخرى حولت عملها من عمل تقليدي محض إلى عمل جمعوي إحترافي حديث حيث دخلت في تنسيقيات مشتركة وأنشطة أجتماعية كبرى بعيدا كل البعد عن الحسابات السياسية الضيقة، وجمعيات نسائية استطاعت وفي ظرف وجيز التقرب من المرأة وخلق أنشطة لها تخلق فرص الشغل وتغطي ذلك النقص والفراغ الذي تعرفه.

هذه المقارنة المنطقية تجعل سؤالنا ذا راهنية يحظى بالإهتمام، إذن ما الذي حدث؟ الجواب ليس بعيدا عن الجمعيات أنفسهم، فعوامل كثيرة جعلت من الجمعيات مفعولا بها وليس فاعلا، جمعيات حولت مقراتها إلى أماكن لتحقيق أهداف ومطامع ذاتية، جمعيات لم تمنح فرصة للشباب لكي يعبر هو الآخر عن مكنوناته وإبداعاته، جمعيات أسست لتنصهر في دوامة السياسة والسياسيين، جمعيات أصبحت مرتعا للمرتزقة التي تختبئ وراء أقنعة العمل الجمعوي النبيل للوصول إلى غرض ما يضرب كل المبادئ الإنسانية عرض الحائط … .

رغم كل شيء، مازلنا نرجو من جمعياتنا أن تستيقظ من سباتها العميق، ومازلنا نتشبت بذلك الأمل الذي عنوانه ” الفعل الجمعوي رهين بالنخبة الصالحة ” أي بعيدا عن الكراكيز التي تولد ولادة الأنابيب، وتحقيقا لتطلعات المواطنين في جمعية تخدم قضايا وانشغالات المواطن البسيط.

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى